آخر الأخبار

تحضير نص حكاية حزينة (الثانية إعدادي)

نص حكاية حزينة (الثانية إعدادي)

المجال: السكاني
المكون: القراءة
الموضوع: حكاية حزينة
الكتاب المدرسي: مرشدي في اللغة العربية

نص الانطلاق:

حكاية حزينة

المدينة تكبر و تمتلئ بالناس، و تمتلئ بالمصانع و بالدخان و الدروب، وهو في كل ذلك يقف متفرجا، تسحقه غربة مريرة، فلا يحس أبدا أنه واحد من الناس الذين يملأون المدينة، أو يفعلون شيئا في الحياة، إنه مجرد واحد، تستطيع المدينة أن تظل ممتلئة حتى إذا ذهب، تستطيع الحياة أن تظل قائمة عندما تنتهي حياته هو.

كانت كتفاه ترتطمان كل يوم بعشرات الأكتاف في الشارع، و كانت عيناه تقعان على كثير من الوجوه، و لكنه لا يعرف أحدا في كل هذه الوجوه، لا يحييه أحد و لا يحيي أحدا، حتى اسمه ينفصل عنه داخل المعمل الذي يشتغل فيه مجرد رقم من الأرقام، الرقم1431، و قبله عدد كبير من الأرقام، و بعده عدد أكبر ، لقد كانت المدينة، عندما جاءها أول مرة، أرضا واسعة خاوية، تنبت فيها الحشائش، و لقد كبرت أمام عينيه، قطعة قطعة... شاهد أول عمارة تطلع فيها، و أول دخان مصنع، و أول مقهى و أول حافلة نقل، ثم ضاع منه كل شيء، و هو الآن بعد عشرين سنة من وصوله إلى هذه المدينة، يحس أنه غريب، كل شيء غريب عنه، قد كانت في مكان ما مدرسة تعلم فيها و هو صبي، كانت أول مدرسة في المدينة تحيط بها الأعشاب و العقارب، و هو لا يذكر الآن أين تقع تلك المدرسة الصغيرة، لقد ضاعت كما ضاع هو وسط المدينة العاقة التي شهد ميلادها.

1431، لطالما وقف أمام المرآة يحاول أن يكون شيئا آخر غير هذا الرقم، و لكن المرآة تطالعه بوجه لا يعرفه أبدا، يطلع الرقم كبيرا، 1431، و لا شيء آخر، كرقم الآلة 11 في المعمل، هما معا يفعلان نفس الشيء، و المدينة تكبر كل يوم، و تمتلئ و يختنق هو بالدخان، بالصداع، بالحافلات الكثيرة، و قد رأى أول واحدة منها، ترى أين هي الحافلة رقم1؟

كان في الخامسة و الثلاثين من عمره، لا يملأ مكانا في دنيا المدينة الكبيرة، لا أهل يعرفهم، و لا أصدقاء يعرفونه، حتى المدينة التي شبت بين يديه، تتنكر له الآن، و لا تحس به في زحامه مع الناس في الشوارع و هو يتطلع إلى الوجوه، إلى العمارات و الدخان و الحافلات.

كل الوجوه لا يعرفها، و إن كانت فيها جميعا صفات منه، فيها سمرته و عيونه المحدودبة، و شفتاه الغليظتان.

و نش ذبابة عن حاجبه، ثم فكر: "إنني لن أظل هكذا أشهد ميلاد المدينة و الناس، إن جميع الناس هنا مثلي، لا أعرفهم، و لا يعرفونني، و لكنهم يتمنون أن يعرفوني، كما أتمنى أنا ذلك، لسوف نصنع معا حياتنا، و لسوف نستطيع أن نكون أكثر من رقم.

و انزوى في مقهى وكتب على ورقة بيضاء:

"هل أنت مثلي سحقتك المدينة، فلم يعد لك وجود فيها، أنا و أنت نحقق هذا الوجود، إذا اجتمعنا معا، لنكن أصدقاء إذن، و تعال إلي مساء الأحد القادم في خط الأوتوبيس(5)، فسوف أنتظرك هناك.

لقد عييت من الدخان و المصانع، و أنا أبحث الآن عن إنسان... علاماتنا و ردة بيضاء في يد كل منا على رصيف محطة الأوتوبيس(5)، سوف أنتظر هناك، أرجوك، لا تدعني أنتظر طويلا.."

كان كل شيء في نفسه قد تغير بعد أن كتب هذه الكلمات، فكأنه عاد مرة و احدة إلى صباه البعيد، و إلى صبا المدينة، يوم كانت أرضا واسعة، يغطي ترابها العشب، بلا أي مصنع، و لا أي مقهى و زحام و دخان و حافلات.

ووقف أمام دكان واشترى غلاف الرسالة، ثم وضع كلماته داخل الغلاف، و هو يبتسم بسذاجة، و اختفت ابتسامته و هو يفكر،(ماذا لو يقرأها واحد من الناس، و يسخر منه، و يتركه ينتظر على رصيف المحطة رقم(5)، و بيده وردة بيضاء، لسوف ينسحق أكثر لو حدث ذلك، إنه لا يريد أن يظل وحده في كل هذه المدينة الكبيرة، رقم 1431، و لا شيء آخر.)

مساء الأحد:

المدينة صاخبة، ممتلئة بالناس ككل مساء، الأضواءفي كل مكان، و السيارت تمضي سريعة، و الحافلات تفرغ وتمتلئ، و على رصيف المحطة رقم(5) و قف كثير من الناس ينتظرون الحافلة، كان بينهم شيخ يحمل ربطة نعناع، و هو يحاول أن يندس في الصف، و امرأة تحمل طفلة صغيرة، و تشد بيدها على طفل صغير، و كانت فتاة في حوالي التاسعة عشرة من العمر تقف أيضا، نحيفة، سوداء العينين، تتفرج بحزن رقيق على الناس، وكانت في يدها وردة بيضاء.

و صلت الحافلة، وأفرغت ركابها، و حملت ركابا آخرين، ثم جاءت حافلة أخرى، و أخرى، و الأضواء تسطع في أبواب المتاجر و المقاهي، و على الجدران، و ما زالت الصغيرة الجميلة تنتظر ، و في يدها وردتها البيضاء.

و لكن المساء يمضي، و يأتي الليل، و المدينة تمتلئ أكثر، والسيارات تقف صفا طويلا أمام الضوء الأحمر، ثم تنطلق عندما يشتعل الضوء الأخضر، والفتاة تتطلع بحزن رقيق إلى كل شيء، و في يدها وردة بيضاء.

ثم أخيرا، أخيرا جدا، يأتي الليل تماما، وتتلفت الفتاة ألى كل الجهات، و عندما لا ترى أحدا، ترفع وردتها البيضاءإلى شفتيها و تمسها برفق قبل أن تضعها في سلة الأزبال.

صباح الإثنين:

كتبت جريدة في إحدى صفحاتها الداخلية، و في مكان لا يثير أي اهتمام:

( داست حافلة مساء أمس رجلا مجهولا كان يقطع الشارع دون انتباه، وكان يحمل في يديه وردة بيضاء).

الممكن من المستحيل، مطبعة النجاح الجديدة، سنة 1988، ص ص: 72-76 (بتصرف).

أولا: تأطير النص وملاحظته

1. تأطير النص:

أ. صاحب النص:

 عبد الجبار السحيمي، هو أديب وصحافيّ وطبيب مغربيّ، وُلِدَ عام 1938م في الرباط، تابع دراسته بمدارس محمد الخامس، التحق بالعمل الصحفي منذ أواخر الخمسينيات، أصدر برفقة محمد العربي المساري مجلة "القصة والمسرح"، وكان مديرًا لمجلة 2000، التي دار عددها الأول والوحيد في عام 1970م، اشتغل رئيس تحرير لجريدة العلم، توفي عام 2012م في الرباط، من مؤلفاته: مولاي، الممكن من المستحيل.

ب. نوع النص ومصدره:

نص سردي، مقتطف من كتاب الممكن من المستحيل، مطبعة النجاح الجديدة، سنة 1988، ص ص: 72-76 (بتصرف).

ج. مجال النص:

يندرج النص ضمن المجال السكاني.

2. ملاحظة النص:

أ. قراءة في العنوان:

+تركيبيا: يتألف العنوان من كلمتين تكوّنان مركبًا وصفيًا، الموصوف (حكاية)، الصفة (حزينة).

+دلاليا:  يُشير العنوان إلى أنَّ القصة التي بين أيدينا هي قصة حزينة وليست سعيدة.

ب. قراءة في الصورة:

صورة فوتوغرافيّة مُلتقطَة من الأعلى، تُبرز مشهدًا لمدينة الدار البيضاء. وعلاقتها بالنص علاقة تفسيرية ترابطية.

ج. بداية النص ونهايته:

بداية النص: يستهل السارد نصه بوصف المدينة بكونها كبيرة وممتلئة بالناس والمصانع تشهد تحولات كثيرة يوما بعد يوم، وإحساس الرجل بطل الحكاية بالغربة والوحدة.

نهاية النص: منسجمة مع العنوان لان الحكاية انتهت بمصرع البطل في حادثة سير.

د. فرضية القراءة:

انطلاقا من مشيرات النص السابقة نتوقع أنه سيحكي عن شخص يعاني من الغربة في المدينة.

ثانيا: فهم النص

1. الإيضاح اللغوي:

تسحقه: تدوس عليه.
ترتطمان: تصدمان.
شبَّت: كبُرت، ترعرعت.
تطالعه: تنظر إليه.
سذاجة: بساطة التفكير.

2. الحدث العام:

تسليط الضوء على معاناة العامل رقم (1431) في مدينة الدار البيضاء ونهاية حياته المأساويّة بسبب حادث سير ألَمَّ به.

3. الأحداث الجزئية:

  • شعور الرجل بالغربة في المدينة التي تشهد توسعا وتمتليء بالناس والمصانع.
  • إحساس الرجل بالضياع والاحباط لانه مجرد رقم في معمل المدينة التي لم تعد كما حل بها أول مرة انزعاج الرجل من ضجيج المدينة وتلوثها و تضايقه من تنكر الناس له وتجاهله.
  • قرار الرجل في الاندماج والبحث عن أحد يصادقه دفعه الى كتابة رسالة ضمنها رغبته في ذلك.
  • خيبة أمل الفتاة بالالتقاء بصاحب الرسالة الذي حملت الجريدة خبر مصرعه في حادثة سير .

ثالثا: تحليل النص

1. الحقول الدلالية:

الحقل الدَّال على تلوث البيئة

الحقل الدّال على المعاناة

تمتلئ بالمصانع والدخان، دخان مصنع، يختنق بالدخان، بالصداع، بالحافلات الكثيرة، المدينة الصاخبة.

تسحقه غربة مريرة، لا يحييه أحد، اسمه لا ينفصل عنه، لكن المرأة تطالعه بوجه لا يعرفه، تتفرج بحزن.

التعليق على الجدول: العلاقة بين المعجمين علاقة سببيّة، أي أنَّ اتّساع المدن الكبيرة ونموها يكون على حساب وبسبب الإنسان الذي أصبح ضائعًا مجهول الهوية.

2. دراسة الشخصيات:

الشخصية

نوعها

صفاتها

بطل القصة

رئيسية

شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، يعاني الوحدة والغربة، يُعرف بالعامل 1431.

الفتاة

ثانوية

في التاسعة من عمرها، وحيدة هي الأُخرى.

3. البنية الزمكانية للنص:

الزمان

المكان

عام

خاص

 الحاضر مع استعراض ذكريات العشرين السنة الماضية.

 مدينة الدار البيضاء.

الدروب، الشارع، العمل، المدرسة، المحطة.

4. أساليب النص:

اعتمد الكاتب على الوصف والسرد في وصف الأشخاص والأمكنة وسرد الأحداث:

الوصف: ومن أمثلته في النص ما يلي:

  • لقد كانت المدينة عندما جاءها أول مرة أرضًا واسعة خاوية تنبت فيها الحشائش...
  • كانت أول مدرسة في المدينة تحيط بها الأعشاب والعقارب...
  • يوم كانت أرضًا واسعة يغطي ترابها العشب بلا أي مصنع ولا أي مقهى وزحام ودخان وحافلات...
  • وكانت فتاة في حوالي التاسعة عشرة من العمر تقف أيضًا، نحيفة سوداء العينين، تتفرج بحزن رقيق على الناس.

السرد: ومن أمثلته في النص ما يلي:

  • وانزوى في مقهى وكتب على ورقة بيضاء...
  • ووقف أمام دكان واشترى غلاف الرسالة، ثم وضع كلماته داخل الغلاف... 
  • وصلت الحافلة، وأفرغت ركابها، وحملت ركابًا آخرين...
  • كتبت جريدة في إحدى صفحاتها الداخلية... 
  • داست حافلة مساء أمس رجلًا مجهولًا...

4. قيم النص:

قيمة سكانية: تتجلى في معاناة فئة من المجتمع جراء الوحدة والضياع والضعف خاصة اذا كانت تعيش في المدن الكبيرة التي يصبح فيها الشخص مجرد رقم ليس إلا.

قيمة نفسية: شعور البطل بالوحدة والضيق وازدواجية الشخصية جراء المعاناة التي يقاسيها.

رابعا: تركيب

نموذج 1:

بناءً على ما سبق، يتضح لنا أن النص سردي، يندرج ضمن المجال السكاني، مقتطف من كتاب الممكن من المستحيل. سرد فيه الكاتب المغربي عبد الجبار السحيمي حكاية شخص هاجر إلى الدار البيضاء من عشرين سنة خلت، فكان شاهدًا على نموها واتّساعها، غير أنَّه بقي هو على نفس الحال، مجهولًا وحيدًا ضائعًا، لا صديق له ولا أهل، ولا يُعرَف إلا بالرقم 1431، وكادت الظروف أن تبتسم له ويتخلص من وحدته عندما أرادت إحدى الفتيات التعرف عليه، لكن كان حادث السير حائلًا دون حصول ذلك.

نموذج 2:

هذه حكاية حزينة لرجل يعيش عاملا في مدينة كبيرة، للكاتب عبد الجبار السحيمي، يصف فيها علاقة بطل قصته بالمدينة التي يحس فيها بالغربة والإحباط والوحدة والضياع، والانزعاج من ضجيجها وتلوثها وتحولاتها السريعة التي كان شاهدا عليها. فيقرر البحث عمن يؤنس وحدته ويتقاسم معه همومه وأنا ه وأفراحه، فيكتب رسالة يضمنها رغبته في ذلك، لكن القدر لم يكن رحيما به حيت لقي مصرعه في حادثة سير عندما كان في طريقه للالتقاء بفتاة انتظرته طويلا.

نموذج 3:

استفدنا من النص أن للتطور إيجابيات وسلبيات. والنص قيد الدراسة ركز على الجانب السلبي لهذا التقدم وجسده لنا من خلال ذلك الرجل الذي يحس بالغربة والضياع في مدينته التي ولد وتربى وترعرع فيها ومن خلال وصفه لنا للمشاكل التي تعاني منها المدينة كالتلوث الضجيجي والبيئي والهوائي والاكتظاظ الهائل في السكان. فالبنايات الضخمة تحجب عنا رؤية المناظر الطبيعية والمعامل والمصانع تلوث بدخانها الهواء وبالتالي هذا يؤثر على صحة الإنسان من خلال تعرضه لمجموعة من الأمراض التنفسية والتطور في وسائل النقل ينتج عنه ارتفاع هائل في حوادث السير وهذا كله يساهم في إحساس الإنسان بالضياع والغربة والحزن كما سبق وأشرنا إلى ذلك.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-